الاثنين 28 شوّال 1446هـ 28 أبريل 2025
موقع كلمة الإخباري
صراع النفوذ في تركيا: اعتقال إمام أوغلو يشعل المواجهة - تحليل
حسين الخشيمي (رئيس التحرير)
2025 / 03 / 20
0

خاص لـ "كلمة الإخباري": كانت خطوة هزّت المشهد السياسي التركي بقوة عندما أقدمت السلطات الأمنية التركية يوم الأربعاء على اعتقال أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول والمنافس الأقوى للرئيس رجب طيب أردوغان، ضمن حملة واسعة طالت ما يقرب من مئة شخص من المقربين منه، بينهم مسؤولون بارزون. 

هذه الخطوة التي وصفتها المعارضة بـ"محاولة انقلاب سياسي" فتحت الباب على مصراعيه أمام تكهنات بدخول تركيا مرحلة جديدة من الصراع السياسي المحتدم.

"إقصاء المنافسين".. الوجه الخفي لاستراتيجية أردوغان للبقاء في السلطة

تأتي عملية اعتقال إمام أوغلو في سياق ما يصفه خبراء بأنه "سعي منهجي" من قبل الرئيس أردوغان لتصفية المشهد السياسي من المنافسين المحتملين قبل الانتخابات المقبلة. وفقاً لمراد سومر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوزيجين بإسطنبول، فإن تركيا تشهد تحولاً خطيراً "من نظام استبدادي مفتوح إلى نظام استبدادي كامل على الطراز الروسي أو البيلاروسي".

وبحسب تصريحات سومر لشبكة CNN الأمريكية فإن هذا التحول يبدو "جهداً مخططاً له ومنظماً جيداً بدأ منذ الخريف الماضي". ويأتي اعتقال إمام أوغلو تتويجاً لسلسلة إجراءات بدأت قبل أشهر، حيث انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إقالة أردوغان للعديد من رؤساء البلديات المنتخبين من المعارضة واستبدالهم بآخرين معينين من قبل الحكومة.

خصم قوي من معقل أردوغان.. لماذا يشكل إمام أوغلو "تهديداً كبيراً" للرئيس التركي؟

لا تقتصر قضية إمام أوغلو على مجرد كونه معارضاً سياسياً، بل تكمن خطورته في نجاحه بالسير على ذات النهج الذي قاد أردوغان نفسه إلى السلطة. يشترك الرجلان في انحدارهما من منطقة ساحل البحر الأسود، واستخدام منصب رئاسة بلدية إسطنبول كمنصة للوصول إلى السلطة الوطنية.

سونر كابتاغاي، مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أوضح في تصريحات صحفية: "كما استغل أردوغان رئاسته لبلدية إسطنبول في التسعينيات لإقناع الناخبين بقدرته على إدارة تركيا بكفاءة، خلق إمام أوغلو نفس السمعة". ويضيف كابتاغاي: "كان هذا تهديداً كبيراً لأردوغان، فقرر القضاء عليه في مهده".

ويتمتع إمام أوغلو بميزة إضافية تثير قلق أردوغان، وهي قدرته الفريدة - وفقاً للخبراء - على اختراق قواعد مؤيدي أردوغان التقليدية. 

يقول مراد سومر: "إمام أوغلو بارع بشكل خاص في جذب الدعم، حتى من المعسكرات المؤيدة لأردوغان تقليدياً، وهذا بالطبع يشكل تهديداً كبيراً لأردوغان".

توقيت مثير للجدل.. هل يسعى أردوغان لمنع ترشيح منافسه للرئاسة؟

لا يمكن فصل توقيت اعتقال إمام أوغلو عن سياقه السياسي، فقد جاء قبل أيام قليلة فقط من الموعد المقرر لإجراء حزب الشعب الجمهوري انتخابات تمهيدية، حيث كان من المتوقع اختيار إمام أوغلو مرشحاً رئاسياً للجولة التالية من الانتخابات الرئاسية.

في السياق ذاته، وكإجراء لافت، أعلنت جامعة إسطنبول قبل الاعتقال بيوم واحد فقط أنها ألغت شهادة إمام أوغلو بسبب "مخالفات"، في خطوة تكتسب أهمية استثنائية في ضوء اشتراط الدستور التركي حصول المرشحين للرئاسة على شهادة جامعية.

تفسر ديليك، زوجة إمام أوغلو، الأمر بوضوح في رسالة منفصلة بعد اعتقاله قائلة: "أولئك الذين لا يريدون الخسارة في صناديق الاقتراع القادمة قد اتخذوا هذه الخطوة"، في إشارة صريحة إلى أردوغان ومعسكره.

معركة النفوذ بين الرجلين تتجاوز حدود المدينة

تمتد جذور الصراع بين إمام أوغلو وأردوغان إلى عام 2019، عندما فاز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول، المدينة التي كانت بمثابة الحاضنة السياسية التي انطلق منها أردوغان نفسه قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية. ورغم فوز أردوغان بولاية رئاسية ثانية في انتخابات 2023 الحاسمة، إلا أن حزبه لم يتمكن من استعادة السيطرة على إسطنبول.

بل إن الأمر تفاقم في انتخابات البلدية في مارس/آذار 2024، حيث فاز إمام أوغلو مجدداً بنسبة 51.14% من الأصوات، متغلباً على مرشح حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان. هذه الهزيمة في معقل نفوذه التاريخي شكلت ضربة موجعة لأردوغان، وربما دفعته للتصعيد ضد خصمه السياسي.

"فساد وإرهاب".. الاتهامات الرسمية واحتجاجات المعارضة

رسمياً، جاء اعتقال إمام أوغلو في إطار تحقيقات في قضايا "فساد وإرهاب"، لكن المعارضة وصفت الاتهامات بأنها ذات "دوافع سياسية". وطالت حملة الاعتقالات نحو 100 شخص آخرين على صلة به، بمن فيهم رئيسا بلديتي إسطنبول المنتخبان، رسول عمرة شاهان ومراد جاليك.

ودفع الاعتقال حزب الشعب الجمهوري إلى دعوة أنصاره للاحتجاج في مقرات الحزب ومكاتبه الإقليمية في جميع أنحاء تركيا. وصف زعيم الحزب، أوزغور أوزيل، اعتقال إمام أوغلو بأنه "محاولة انقلاب ضد رئيسنا القادم"، في إشارة واضحة للطموحات الرئاسية لإمام أوغلو.

في المقابل، رفض حليف أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، وصف اعتقال إمام أوغلو بـ"الانقلاب"، مضيفاً أن النزول إلى الشوارع احتجاجاً على اعتقاله "فساد سياسي جائر وفقدان للصواب"، وأصر بهجلي على أن القضاء التركي "مستقل ونزيه".

"لن أتراجع".. رسالة تحدٍ من إمام أوغلو قبل اعتقاله

رغم المؤشرات التي كانت تلوح في الأفق حول احتمالية اعتقاله، أصر إمام أوغلو على موقفه المتحدي. وقال في مقطع فيديو صُوّر قبل اعتقاله بقليل: "نحن نواجه تنمراً هائلاً، لكنني لن أتراجع، أحبكم جميعاً، أسلم نفسي للشعب، سأقف شامخاً".

هذا الموقف المتحدي يذكر بشكل لافت بموقف أردوغان نفسه عندما اعتقل عام 1999 من قبل النظام العلماني آنذاك، مما جعله يكتسب شعبية واسعة. وهو ما أشار إليه كابتاغاي قائلاً: "قد يزيد اعتقال إمام أوغلو من التعاطف معه، ويصوره كبطل سياسي معروف على الصعيد الوطني، تماماً كما فعل اعتقال أردوغان 1999"، مضيفاً أن "أردوغان ربما يكون قد عزز، عن غير قصد، موقف خصمه السياسي".

هل يسعى أردوغان لولاية رئاسية ثالثة؟ خيارات دستورية محدودة

يرجح الخبراء أن تكون خطوة اعتقال إمام أوغلو جزءاً من استراتيجية أوسع يسعى من خلالها أردوغان إلى تمديد حكمه لولاية ثالثة. ويواجه الرئيس التركي تحدياً دستورياً في هذا السياق، إذ يسمح الدستور التركي للرؤساء بالترشح لفترتين فقط.

وللالتفاف على هذه القاعدة، سيتعين على أردوغان إما تعديل الدستور أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة. ولتغيير الدستور، سيحتاج أردوغان إلى دعم حزب الشعب الجمهوري، ثاني أكبر حزب في الجمعية الوطنية الكبرى التركية بعد حزب العدالة والتنمية، حيث يضم حزب أردوغان أكثر من 270 مقعداً، فيما يتطلب أي تعديل دستوري تصويتاً بأغلبية الثلثين في البرلمان.

وقد سبق لأردوغان أن عدل الدستور في استفتاء 2017، والذي حول نظام الحكم في تركيا من البرلماني إلى رئاسي، مانحاً نفسه سلطات واسعة. أما الخيار الثاني فيتمثل في دعوة الرئيس التركي إلى انتخابات مبكرة، مما سيمنحه 5 سنوات أخرى على الأقل من الحكم، إذ ستكون ولايته الثانية غير مكتملة.

لكن يحذر سومر من أن "أي انتخابات تشمل المعارضة برئاسة إمام أوغلو تُخاطر بهزيمة أردوغان". ويضيف: "إذا سمحوا للمعارضة بالمشاركة الكاملة في الانتخابات، فسوف يخسرون، إنهم يدركون ذلك"، مؤكداً أن "أردوغان يسعى على الأرجح إلى إقصاء المعارضة قبل الدعوة إلى انتخابات مبكرة وتغيير الدستور".

هل يكرر أردوغان خطأ خصومه السابقين؟

وهنا يحسن التنبيه إلى مفارقة تاريخية قد تقلب الطاولة على أردوغان. فقد أدى اعتقال أردوغان نفسه عام 1999 من قبل النظام العلماني آنذاك إلى تعزيز شعبيته وساهم في صعوده السياسي لاحقاً. يقول كابتاغاي إن أردوغان قد يُخطئ في حساباته، لأن "اعتقال خصمك الرئيسي لن يجدي نفعاً أبداً".

وتشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن إمام أوغلو إذا ترشح للرئاسة ضد أردوغان، فسيحصل على المزيد من الأصوات. وفي ظل الوضع الحالي، يبقى السؤال: هل ستعزز خطوة الاعتقال شعبية إمام أوغلو وتحوله إلى رمز للمعارضة، أم ستنجح استراتيجية أردوغان في إقصاء منافسه الأقوى من المشهد السياسي؟

في الواقع، يبدو أن الصراع السياسي في تركيا قد دخل منعطفاً جديداً، وأن المعركة بين الرجلين قد تجاوزت حدود إسطنبول لتصبح صراعاً على مستقبل السلطة في البلاد بأكملها.



التعليقات