قبلَ شهرين فقط من انتهاء فترة حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، كُشف في العراق عن اختفاء مبلغ (3.7 تريليون دينار) والتي عُرفت بـ "سرقة القرن"، حيث جرى "السطو" على أموال الأمانات الضريبية من قبل عدة جهات رسمية في البلد.
وعلى إثر انكشاف هذه السرقة، تولّت هيئة النزاهة والسلطة القضائية التحقيق بالقضية، وصدرت عدة أوامر قبض قضائية وكان أوّل المعتقلين المدعو "نور زهير ـ 45 عاماً"، هذا الرجل الذي تحوّل بين ليلة وضحايا إلى أبرز رجل أعمال في العراق.
سرّاق كبار وآخرون صغار..
وسبق لهذا المتهم الذي صدر بحقّه اليوم حكم بالسجن (10 سنوات) من قبل محكمة جنايات الكرخ لمكافحة الفساد، أن عمل في الموانئ العراقية، قبل أن يعمل مستشاراً بمكتب رئيس اللجنة المالية النيابية السابقة المدعو "هيثم الجبوري"، وصدر بحقّه هو الآخر حكماً بالحبس لمدة (3 سنوات)، كما انضمّ لهم في هذه السرقة التي وُصفت بـ "التاريخية والقاصمة" المتهم (رائد جوحي) الذي كان يشغل مدير مكتب الكاظمي في أعقاب التظاهرات الشعبية.
ووفقاً لما صرّح به مصدر قضائي لوكالة الأنباء الرسمية وتابعه (كلمة) الإخباري، فإن "المحكمة حسمت الدعاوى الخاصة بجريمة الأمانات الضريبية بهؤلاء المتهمين الثلاثة، بالإضافة إلى عدد من الموظفين (الصغار) المشتركين بالجريمة".
فيما قالت مصادر مطلعة أن "حكومة بغداد بدأت بإجراءات مفاتحة الإنتربول، لإصدار مذكرة قبض بحق المتهم الهارب نور زهير".
ما علاقة النائب سند بالقضية؟!
من جهته قال النائب مصطفى جبار سند، اليوم الاثنين: إنّ "حكم المحكمة صدر بحق (13 متهماً) بينهم المتهمون الثلاثة (نور زهير ورائد جوحي وهيثم الجبوري)، أما بقية المتهمين فهم في مناصب مدراء وموظفين في دوائر الدولة، وصدرت أحكام بالسجن (6 سنوات) بحقهم".
وأوضح بأن المتهمين الثلاثة "يشملهم قرار السجن إضافة إلى مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة"، مضيفاً بأن "جميع أملاك هؤلاء أصبحت من حق الدولة لاسترجاع الأموال المسروقة من صفقة القرن".
كما ذكر سند في مقطع مصوّر أرفقه اليوم مع تصريحه عن حكم محكمة الكرخ بأنّ "جهوداً بُذلت في وقت سابق لتعطيل إجراءات بيع الأملاك التابعة لنور زهير من العقارات والتي تبلغ قيمتها نحو (450 مليار دينار)، ووفقاً للحكم سيتم مصادرتها تماماً".
وبين بأنّه "كان من المفترض أن تكتمل عمليات بيع عقارات المتهم نور زهير قبل التعداد السكاني، ولكن فترة الحظر الخاصة بالتعداد حالت دون إكمال عمليات البيع، ليتم الحجز الآن على جميع أمواله المنقولة وغير المنقولة".
كما لفت سند إلى أنّ "أحكاماً جديدة ستصدر لاحقاً بحق المتهم (نور زهير) نسبةً لتهم تتعلق بالتزوير والفساد".
وكان كتاب رسمي قد صدر في وقت سابق، عن هيئة الضرائب، كشف أن مبلغ (2.5 مليار دولار) جرى سحبه للفترة ما بين (أيلول 2021 وآب 2022) من مصرف الرافدين الحكومي، عبر (247 صكّاً مالياً)، وجرى تحريره إلى (5 شركات) قامت بصرفها نقداً مباشرة.
الصندوق الأسود لسرقة القرن
ويعتبر "نور زهير" هو المتهم الأبرز في هذه القضية، إلا أنّه لم يواجه "حكماً مغلّظاً ورادعاً" كما دعا إلى ذلك رئيس هيئة النزاهة السابق حيدر حنون.
ففي حين تم إلقاء القبض على زهير بتاريخ (24 تشرين الأول 2022) خلال محاولته الهرب خارج البلد وأودع في السجن لعدّة أشهر، إلا أن "القاضي المختص بالقضية أصدر أمراً بإطلاق سراحه بكفالة مقابل تعهده بتسليم كامل المبلغ لمدة أسبوعين" كما أعلن ذلك رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.
وقبل موعد محاكمته بأيام قليلة، زعم نور زهير أنّه "مظلوم" وهدّد بالكشف عن أسماء المتورّطين معه في القضية.
كانت هذه التصريحات الخطيرة التي أدلى بها زهير في حوار متلفز أن "تطيح برؤوس الفساد الكبيرة في العراق" كما يقول مراقبون ووسائل إعلامية، إلا أنّ "سفرة إلى خارج البلد بعد إطلاق سراحه بكفالة"، تسببت بتأخر زهير أو اتفاقه على عدم البوح بالأسرار الغامضة.
ووفقاً ما تابعه موقع (كلمة) الإخباري، فإن المبلغ الذي أعاده زهير إلى خزينة الدولة كما يقول النائب ماجد شنكالي "لا يشكّل سوى (12 في المائة) من كامل الأموال التي تتجاوز الـ (2.5 مليار دولار)".
وقال شنكالي: "لن يكون بإمكان نور زهير بعد الآن إعادة المبالغ المتبقية، المقدرة بـ (80 في المائة)؛ لأنها وصلت إلى شركاء كثر"، على حد تعبيره.
كما تبقى المشكلة التي بقيت عالقةً ولم تحل إلى الآن، تتمثل في أن القسم الأكبر من المبلغ لدى زهير عبارة عن عقارات وأملاك.
هذا بالنسبة لنور زهير الذي وصفه السوداني بـ "الصندوق الأسود لصفقة القرن"، إلا أنّ مصيراً مجهولاً أيضاً يخص كلاً من النائب هيثم الجبوري والقاضي رائد جوحي، حيث سبق وأن أُخلي عن الجبوري في كانون الثاني من العام الجاري.
أما التوقّعات الأبرز التي طرحها المراقبون على الساحة بعد إصدار أحكام السجن بحق المتهمين الثلاثة في هذه الصفقة "الخرافية"، فإنّ تأتي قُبيل إصدار قانون العفو العام من قبل مجلس النواب.
ويتساءل المراقبون الآن، ما إذا كان هذا التوقيت بإصدار الأحكام، "بدايةً لتبرئة المتهمين بسرقة القرن من خلال قانون العفو العام".