الأربعاء 21 رَجب 1446هـ 22 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
من هم الحوثيون.. ولماذا تخشاهم إسرائيل؟!
خاص ـ كلمة | سراج علي
2024 / 12 / 23
0

في ظهيرةٍ من نهارات مدينة صعدة اليمنية، رحل زعيم الحركة الحوثية التي أصبحت فيما بعد تُعرف بحركة "أنصار الله" حسين بدر الدين الحوثي، بعد اغتياله بأوامر أمريكية بتاريخ (10 سبتمبر/ أيلول 2004)، ومباشرةً سد فراغ هذه الرحيل أخوه عبد الملك الحوثي ذو الـ (25 عاماً)، وأعلن استمرار جهاد أخيه ضد الولايات المتحدة، واستمرّ به الحال حتى يومنا هذا، حيث صارَ رقماً صعباً ولاعباً رئيسياً في اليمن، واستطاعَ مع حركته أن يصل إلى عمق تل أبيب الإسرائيلية ويهدّد حكومتها في عقر دارها.


طوال (20 عاماً) مضت، كانت تحرّكات الحوثيين ضدَّ "الحكومة اليمنية غير الشرعية" كما يراها غالبية الشعب اليمني من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل فيما بعد، ترسمُ ملامح هذه الحركة وزعيمها الجديد المولود في العام (1979).

وفي السنوات الست الأولى من سطوع نجم "عبد الملك" خاض الحوثيون بقيادته "حرب عصابات فعالة" كما يقول المراقبون، وخصوصاً في محافظاتهم الجبلية، ولكن بعد العام (2010) تحوّلوا إلى الكيان العسكري الأكثر قوةً في البلاد.

اعتبرت الولايات المتحدة والتحالف الدولي بقيادة السعودية إلى جانب إسرائيل، أن هذه الحركة المشابهة في تأسيسها وأفكارها وأهدافها لـ "حزب الله اللبناني" خطر يهدّد مصالحهم في المنطقة، خصوصاً وأنهم استطاعوا السيطرة على أكبر ثلاث محافظات يمنية، وسرعان ما نشروا أسلحة متقدمة لم يسيطروا عليها من قبل، بما في ذلك العديد من الأسلحة الإيرانية المنشأ.

في تقرير أعدّه معهد الدراسات السياسية الدولية عن حركة أنصار الله الحوثيين، باللغة الإنجليزية وترجمه موقع (كلمة)، ذكر أن "أنصار الحركة انتقلوا من استخدام كمائن الأسلحة الصغيرة إلى الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وذلك في نصف عقد من الزمان فقط"، وشيئاً فشيئاً حتى صار إسرائيل ذاتها تخشى هذه الحركة، ولم تشن حتى الآن حرباً واسعة النطاق عليها على غرار حربها ضد حزب الله في لبنان وحماس في غزة.

ولكن يمكن من خلال التتبع التاريخي للأعمال العسكرية التي قامت بها الحركة، معرفة مدى قوّتها وقدرتها على المواجهة في ظل أقسى الظروف وأصعب التحديات.

وبحلول عام 2010، تمكنت الحركة من قتال الحكومة اليمنية حتى شل حركتها في أربع محافظات، والاستيلاء على مدن استراتيجية والاحتفاظ بها، وإجبار ألوية محاصرة بأكملها على الاستسلام، ونحت موطئ قدم تكتيكي داخل مستوطنات الحدود السعودية.

وبحسب التقرير السابق، يمكن القول: إن هذا التحول التطوري كان يرجع إلى حد كبير إلى التكتيكات غير المنتجة للحكومة اليمنية، بالإضافة إلى التحسينات التدريجية في الصفات العسكرية التقليدية لرجال القبائل اليمنية الشمالية.

ولم يكن عدد المنتمين للحركة حتى حادثة اغتيال حسين الحوثي سوى بعض مئات، ولكن منذ العام (2005) فصاعداً، ازداد عدد المقاتلين، وخصوصاً بعد تحالف عدد من العشائر معهم، وكانت حركة الحوثي في وضع جيد لاستيعاب وتشكيل هذا التدفق من الحلفاء؛ بسبب العلاقات الاجتماعية المتقاطعة المذكورة أعلاه والتي تطورت قبل عام 2004، ولا سيما عشرات الآلاف من الشباب الذين تم إرسالهم من خلال معسكرات الشباب المؤمن الصيفية والبرامج الاجتماعية أو التعليمية.


ترى الباحثة مادلين ويلز في تقاريرها الخاصة عن الحوثيين، أنّ "هناك تسلسلاً زمنياً لتصاعد قوتهم، ففي فترة العام (2005) كانت حركاتهم بين كر وفر من الغارات والاغتيالات والكمائن والعمليات الإرهابية في صنعاء، في حين طوّروا ما بعد العام (2007) مرونتهم الدفاعية لتحصين المدن والدفاع عنها من الهجمات المدرّعة، وصولاً للعام التالي، استطاعوا تطويق وإجبار وحدات عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة قوامها يصل إلى لواء واحد".

وبحلول العام (2009) وبعد دخول المملكة العربية السعودية على خط الهجوم ضد الحركة (الشيعية ـ الزيدية)، كانت حركة الحوثيين بحسب ويلز "واثقة بما يكفي لإجبار أكثر من (360 جندياً) على الاستسلام، مع شن غارات هجومية على السعودية، دون أن تقدر الأخيرة على ردعها، مع قيادتها لتحالف دولي ضمّ حينها الإمارات ومصر وقطر".

وشهد العام (2010) تحولاً جديداً على مستوى اليمن، وأسقطت الاحتجاجات الشعبية المدعومة أمريكياً حكومة الرئيس علي عبد الله صالح بعد عام فقط، أما الحوثيون فقد وسعوا شبكة قواتهم عبر شمال البلاد إلى مواقع صار يُطلق عليها بـ "نقاط الهيمنة".

ومنذ ذلك العام تبنّت الحركة اسماً رسمياً لأول مرّة "أنصار الله" وأنشأت محطة تلفزيونية مقرها بيروت باسم "المسيرة"، وحصلت على الدعم الكامل من قبل حركة المقاومة اللبنانية "حزب الله" وتحالفتا سوياً نحو هدف واحد وهو قتال إسرائيل ومحاولة رفع هيمنتها وسيطرتها على "القدس".

وبتاريخ (21 سبتمبر/ أيلول 2014) كانت حركة الحوثيين قد سيطرت تماماً على العاصمة صنعاء، ورفضت رفضاً تاماً التعاون مع الحكومة المشكّلة؛ كونها مدعومة إلى حدٍ كبير من قبل الولايات المتحدة والمملكة السعودية، وبالتالي فهي بنظر الحوثيين "حكومة غير شرعية".


أسرار قوة الحوثيين العسكرية

وفي ظل هذه الفترة، حصلت الحركة على ما يصل إلى 6 قاذفات 9M117M عاملة و33 صاروخاً باليستياً قصير المدى من طراز R-17E Elbrus (يطلق عليه حلف شمال الأطلسي اسم SS-1C Scud-B)، وهو نظام يصل مداه إلى 310 أميال، إلى جانب السيطرة الكاملة على ميناء (ميدي).

كما يمتلك الحوثيون صواريخ باليستية مضادة للسفن من طراز ((Mohit و (Asef) وصاروخ كروز (Al-Mandab-2) المضاد للسفن أيضاً، ومجموعة متنوعة من الطائرات بدون طيار ذات الأجنحة الثابتة والدلتا الحاملة للمتفجرات، بالإضافة إلى الزوارق بدون طيار المتفجّرة.

ولا أحد يستطيع أن يجزم بعدد شحنات الأسلحة والأفراد التي دخلت اليمن عبر هذا الميناء الصديق للحوثيين، ولكن اعتراض المركب الشراعي جيهان في (يناير/ كانون الثاني 2013) يشير إلى جهد قوي من جانب إيران لتسليح أنصار الله الحوثيين.

ويعتبر الباحث ماريكي ترانسفيلد أن حركة الحوثيين "اشتركت مع حزب الله اللبناني بالاستراتيجية العسكرية ذاتها"، خصوصاً وأن الحركتين استمرتا في تحقيق الأهداف ذاتها، كما تحصلنا على "الدعم الإيراني" في مواجهة حكومتي واشنطن والرياض، بحسب الباحث.

ومنذ العام (2017) ظهر التطور التكتيكي والعسكري للحركة، وأوضح مثال على ذلك استخدام صاروخ (بركان) الباليستي متوسط المدى، والذي استخدمه الحوثيون لضرب الرياض وينبع، على بعد حوالي 600 ميل من نقاط الإطلاق في شمال اليمن.

ثم في مطلع العام (2018)، وجدت لجنة خبراء في الأمم المتحدة أن صاروخ (بركان) هو نسخة أخف وزناً من الصاروخ الإيراني (قيام)، وقد زاد عدد هذه الصواريخ، بعد أن وصلت إلى الحوثيين على شكل قطع ولحامها معاً مرة أخرى بواسطة فريق هندسي.

كما تم دمج المكونات الإيرانية في صواريخ أرض- جو يمنية أعيد استخدامها من طراز (SA-2) لإنتاج سلسلة (قاهر) من صواريخ أرض - أرض حرة الطيران، والتي تم استخدامها لضرب أهداف تصل إلى 155 ميلاً داخل المملكة العربية السعودية في أكثر من 60 مناسبة بين عامي 2015 و 2017.

وينقل أحد الخبراء العسكريين بأن "الحوثيين طوروا قدرة مستقلة لإطلاق الصواريخ، واستطاعوا في فترة وجيزة بناء قوة عسكرية لهم دون الاعتماد على أي دعم خارجي، وإنما من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي في تطوير الأسلحة ودمجها مع بعضها لصناعة ترسانة حربية أكثر قوّة".

ومن هذه الأسلحة الجديدة طائرة (قاصف) بدون طيار التي نجحت الحركة بإنتاجها، وهي وفقاً للأمم المتحدة "متطابقة تقريباً في التصميم والأبعاد والقدرة مع طائرة أبابيل ـ تي) الإيرانية".

وتطوير هذه الأسلحة وخصوصاً طائرة (قاصف) ذات الرؤوس الحربية المتفجرة، جرى إطلاق ما معدله 6 طائرات كل شهر منذ (أبريل/ نيسان 2017)، والتي كانت تستهدف في البداية بطاريات صواريخ باتريوت التابعة للتحالف الخليجي (لتعطيل الدفاعات قبل ضربات الصواريخ أرض - أرض) ولكن بشكل متزايد ضد مراكز القيادة (برؤوس حربية موحدة على مسافات تصل إلى 60 ميلاً باستخدام التوجيه بنظام تحديد المواقع العالمي) وحتى القوات في الخطوط الأمامية (باستخدام طائرات بدون طيار قابلة لإعادة الاستخدام تطلق القنابل تحت التحكم اللاسلكي).

وكما هو الحال مع أنظمة الصواريخ الاستراتيجية، استولى الحوثيون على بطاريات الصواريخ الساحلية في اليمن ثم دمجوها في برنامج الإنقاذ والتحديث. ومنذ عام 2015، هاجمت جماعة أنصار الله الشحن بالألغام البحرية والصواريخ المضادة للسفن التي كانت موجودة بالفعل في الترسانة اليمنية، والتي أضافت إليها استخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات المثبتة على القوارب.

كما طور الحوثيون حوالي 30 محطة مراقبة ساحلية، و "قوارب تجسس"، وطائرات بدون طيار، والرادار البحري للسفن، كما أجرت الحركة تدريبات على الغواصين القتاليين في جزيرتي زقر وبواردي في البحر الأحمر.

كان التطور التكنولوجي الأكثر أهمية الذي قام به الحوثيون في الدفاع الساحلي هو تحويل زوارق خفر السواحل السريعة إلى قارب (Shark-33) المتفجر بدون طيار الموجه ذاتيًا، والذي يمكن برمجته لمتابعة مسار أو التوجه إلى هدف باستخدام التوجيه الكهروضوئي. وقد استُخدم هذا النوع من الأجهزة في مهاجمة فرقاطة سعودية بنجاح في (30 يناير/ كانون الثاني 2017) باستخدام ما يُعرف بـ (التوجيه التلفزيوني)، كما استخدم الحوثيون القارب (Shark 33) في تشكيل مثلثي، مع وضع القارب الهجومي في المقدمة، وزورق قيادة قريب، وقارب إعلامي (لالتقاط لقطات قتالية) على مسافة أبعد. وفي إحدى المرات، تم تمويه القارب (Shark 33) من خلال تحميله بالأسماك. 

ومثل هذا التطوّر العسكري تحقق قبل تسع سنوات، فكيف أصبحت قوة الحركة الآن، وما هي الأسلحة الجديدة التي لم تستخدمها، وما إذا كانت تمتلك اليوم أسلحة فتاكة قد تهاهبها حتى الدول الكبرى.

دعم روسي وتدريبات خارج البلد

أفاد تقرير سري للأمم المتحدة كشفت عنه وكالة رويترز أن "جماعة الحوثيين تحولت إلى منظمة عسكرية قوية".

وذكر التقرير أن الحركة "حصلت على مساعدات عسكرية أجنبية، بما في ذلك الدعم العسكري من قبل روسيا، فضلاً عن إيران والعراق".

وأشار خبراء مستقلون من المنظمة إلى أن "المقاتلين الحوثيين تلقوا تدريبات تكتيكية وفنية متقدمة خارج اليمن، ومنها في العراق".

ونجحت مثل هذه التدريبات أو ظهرت بشكل واضح "بعد تنفيذ الحركة لعمليات عسكرية معقدة، مثل الضربات بالطائرات بدون طيار والصواريخ في مناطق رئيسية مثل البحر الأحمر".

ورغم حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على الحوثيين منذ عام 2015، أكد التقرير على حجم المساعدات الأجنبية الكبيرة التي لا يزالون يتلقّونها.


قوة الحركة ما بعد الحرب على غزّة

في استمرارها لمواجهة النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وبعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة الفلسطيني، كثف أنصار الحركة حصارهم للبحر الأحمر، واستهدفوا السفن التجارية، وأدت هجماتهم الموجهة ضد قواعد إسرائيلية وأخرى أمريكية إلى تعطيل الملاحة العالمية.

وردًا على ذلك، تم تشكيل تحالف بقيادة الولايات المتحدة يضم أكثر من (20 دولة)؛ لحماية طرق التجارة العالمية وضمان سلامة حركة المرور البحري في هذه المناطق الحيوية.

ولكن ذلك لم يمنع حركة الحوثيين من إطلاق صاروخ للمرة الأولى وضرب منطقة قريبة من مطار بن غوريون الدولي في إسرائيل.

ولم تسفر الضربة التي استخدم فيها الحوثيون (صاروخ فرط صوتي) عن وقوع إصابات؛ لكنه مثل تصعيداً كبيراً، ومن لحظتها دبّ الرعب في قلب تل أبيب.

وفي حين اعتبرت إسرائيل أن هذه الهجمات مدعومة من قبل إيران، نفى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في أول مؤتمر صحفي منذ انتخابه من "أن تكون طهران قد زوّدت الحوثيين بصواريخ تفوق سرعة الصوت أو صواريخ باليستية قصيرة المدى".

بحسب الباحثة صوفيا ياز فإن "حركة الحوثيين أول من ألتزموا بسرعة بدعم حركة حماس بعد أحداث السابع من اكتوبر، بما في ذلك إطلاقهم في (31 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) لأول صاروخ باليستي متوسط المدى على الإطلاق ضد إسرائيل".

ويفسر خبراء عسكريون قوة صمود الحوثيين بأنهم "لم يتعرضوا لانتكاسات كبيرة على مدى عام الحرب، رغم ما تعرضت له حماس من ضربات إسرائيلية إلى جانب مقتل قادة حزب الله اللبناني وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله في الغارة الإسرائيلية".

ورأوا أيضاً بأن "تصعيد الضربات العسكرية الأمريكية والبريطانية على أهداف الحوثيين في اليمن لم ينهِ حملة الحوثيين ضد الشحن أو حتى يقلل بشكل كبير من وتيرتها العملياتية. وإذا كان هناك أي شيء، فإن الحوثيين قد حسّنوا من فعاليتهم وكفاءتهم مع تقدم الحرب، من خلال تعلم الدروس والاستفادة من تقلب وجود حاملة الطائرات الأمريكية في البحر الأحمر".

ويصف مقال تحليل مطوّل نشره مركز (Sentinel CTC) في (أبريل/ نيسان 2024) الحوثيين "بالملاكم الذي يحاول الذهاب إلى المسافة الآمنة حتى قرع الجرس الأخير، حيث أظهروا مرونة وقاوموا جهود القوة العظمى لقمع حملتهم ضد الشحن، كما صمدوا في وجه ضربة إسرائيلية عنيفة على أحد مجمعي الموانئ الرئيسيين لديهم واستمروا في مهاجمة إسرائيل".

وإذا كان هدف الحوثيين، كما قدّر المقال "هو القفز إلى الصفوف الأمامية لمحور المقاومة من خلال إظهار الشجاعة وتحمل الألم لدعم حماس ومعارضة إسرائيل والتحالف الأمريكي البريطاني، فإن الحوثيين قد نجحوا. وأضحوا أنفسهم الفائزين الرئيسيين في صراع ما بعد أكتوبر 2023".

وفي الوقت الذي قلل فيه المقال من شأن ما وصفها بمزاعم الحوثيين ــ بشأن الهجمات بعيدة المدى في شرق المحيط الهندي أو البحر الأبيض المتوسط ــ لكنه يقر بأنّ "الحوثيين نشروا مع ذلك خوفاً متزايداً من قدرتهم على مهاجمة الشحن خارج البحر الأحمر وخليج عدن. ربما كانت قدرة الحوثيين على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها بدقة حسب جنسية مالكها أو ارتباطها بإسرائيل مبالغ فيها إلى حد كبير، ولكن هناك دلائل تشير إلى أن الحوثيين يعملون تدريجياً على تحسين جهودهم في الاستهداف.

وفي رأي كاتب المقال فإنّ "التطور التكتيكي لهجمات الحوثيين يتزايد باطراد من قاعدة أولية منخفضة للغاية، بمساعدة قدرتهم على تشغيل أساطيل قوارب صغيرة على مقربة من ممرات الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن".


ضرب تل أبيب والأخيرة دون حراك!

كانت هجمات الحوثيين المباشرة على إسرائيل الأكثر عددًا في (نوفمبر/ تشرين الثاني 2023)، مع خمس هجمات في ذلك الشهر بعد أول هجوم صاروخي باليستي متوسط المدى على إسرائيل بتاريخ (31 أكتوبر/ تشرين الأول 2024)، بعد ذلك بلغ متوسط الهجمات المباشرة التي أعلن الحوثيون عن شنها على إسرائيل ثلاث هجمات فقط شهريًا في الفترة من (ديسمبر/ كانون الأول 2023 إلى أغسطس/ آب 2024).

ومن بين هذه الهجمات المباشرة التي أعلن الحوثيون عن تنفيذها على إسرائيل، يُزعم أن نسبة كبيرة (10 من 27، أو 37 في المائة) نشأت في العراق، حيث كان للحوثيين حضور واضح بشكل متزايد مع حلول عام (2024).

فقد بدأ الحوثيون والمقاومة الإسلامية في العراق في إعلان مشترك عن الهجمات على إسرائيل منذ (6 يونيو/ حزيران 2024) فصاعدًا، إلى جانب أهداف أمريكية أخرى.

فيما يتعلق بحرب غزة، ففي الفترة من (6 يونيو/ حزيران إلى 15 يوليو/ تموز) أعلن كلّ من IRI وهي علامة ترمز للمقاومة العراقية، والحوثيين عن تنفيذ (6 هجمات) بعيدة المدى على سفن مرتبطة بإسرائيل في المياه الساحلية أو الموانئ الإسرائيلية على البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى (4 هجمات) على منشآت الموانئ الإسرائيلية البرية في إيلات وحيفا وأشدود.

ويبدو أن هذه الهجمات تخدم تعليمات عبد الملك الحوثي في الثالث من مايو/أيار ببدء المرحلة الرابعة من الحرب ضد السفن، والتي تتضمن قصف أي سفن تتفاعل مع الموانئ الإسرائيلية ــ ليس فقط تلك الأقرب إلى الحوثيين في إيلات، بل وأيضاً تلك التي تتفاعل مع موانئ إسرائيل على البحر الأبيض المتوسط .

كما هو الحال مع أكثر من (169 هجوماً) بطائرات بدون طيار وصواريخ على أهداف برية إسرائيلية بتاريخ (24 سبتمبر 2024)، والتي كما يبدو وصلت إلى إسرائيل ودخلت إلى عقر دارها.

في حين كانت هجمات الحوثيين على إسرائيل متقطعة وغير فعالة، إلا أنها كانت مذهلة في بعض الأحيان. فقد شنت هجمات بالصواريخ الباليستية متوسطة المدى على إسرائيل (كلاهما على إيلات)، وقد ادعى الحوثيون أن الحالة الأخيرة كانت أول صاروخ باليستي متوسط المدى (من بين سبع محاولات) يخترق أنظمة السهم والقبة الحديدية الإسرائيلية، إما بصاروخ كامل أو حطام تم اعتراضه يسقط في منطقة تبعد (15 كيلومتراً) عن مطار بن غوريون و(25 كيلومتراً) من تل أبيب - مما أدى إلى إصابة تسعة أشخاص في هذه المنطقة، التي لم تصلها من قبل صواريخ حزب الله اللبناني.

وعلى الرغم من أن الحوثيين صرّحوا أن الصاروخ الباليستي متوسط المدى هو تصميم "فرط صوتي" جديد، لم يكن هناك أي اعتراف إسرائيلي أو غربي بهجوم فرط صوتي، وكان من المرجح أن يكون صاروخًا باليستياً متوسط المدى تفوق سرعة الصوت مثل صاروخ (بركان 3/ ذو الفقار الحوثي). ومنذ ذلك الحين، أطلق الحوثيون صاروخاً باليستياً متوسط المدى آخر باتجاه إسرائيل في (27 سبتمبر/أيلول 2024).

وكانت الضربة الجديرة بالملاحظة التي شنها الحوثيون على إسرائيل هي هجوم بطائرة بدون طيار في (19 يوليو/ تموز 2024) على وسط تل أبيب، والذي أسفر عن مقتل إسرائيلي وإصابة أربعة على الأقل، وهو عمل لم تجرؤ أي جهة أخرى على القيام به، وفقاً لما يؤكده خبراء عسكريون ومراقبون أمنيون.

وكانت الطائرة بدون طيار التي استخدمها الحوثيون حينها، يطلق عليها اسم (يافا) وهو الاسم العربي لمنطقة (تل أبيب) الإسرائيلية، وهو على الأغلب مطوّر من طراز (صماد 3)، واخترقت الطائرة بدون طيار دفاعات إسرائيل منخفضة المستوى التي تم اختبارها في المعارك من خلال وصولها من الغرب، عبر ساحل البحر الأبيض المتوسط، بعد أن سلكت على ما يبدو طريقًا طويلًا للغاية عبر القارة الأفريقية.

وأكد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون تحدثوا (شريطة عدم الكشف عن هويتهم) أنها "سافرت عبر إريتريا والسودان ومصر" وبالتالي تجنبت خط اعتصام سفن الدفاع الجوي الأمريكية والأوروبية في منطقة السويس، وتجاوزت دفاعات إسرائيل الرئيسية المواجهة للجنوب.

وفي حين أن المفاجأة التكتيكية التي أحدثتها مسار الرحلة المعقد والمخطط له جيدًا سيكون من الصعب تكرارها، فقد أظهرت الحادثة قدرة الحوثيين التقنية المتطورة، والتي قد يُستفاد منها في إيجاد طريقة جديدة - ولكن عابرة - لاختراق الدفاعات الإسرائيلية، فإن هجوم الطائرات بدون طيار على تل أبيب يذكرنا بضربة الصواريخ المجنحة في (19 مارس/ آذار 2024) على إيلات، حيث تم تمكين الاختراق الناجح من خلال التخطيط المعقد للمسار عبر الأردن.

ورغم أن إسرائيل ذاتها شنّت ضربات جوية ضد مواقع تابعة للحوثيين، ضمن ما عُرفت بـ "عملية الذراع الممدودة" في (20 يوليو/ حزيران 2024) واستهدفت خاصة موانئ الحُديدة ورأس عيسى، إلا أن هذه الضربات جلبت انتباه الحوثيين والاعتراف بهم كعضو في محور المقاومة "الذي يضرب إسرائيل بقوة وبأكثر الطرق العسكرية حداثة وإثارة" كما يقول الخبراء العسكريون.

وحينها لم يبقَ الحوثيون مكتوفي الأيدي، بل ردوا على هذه الضربات بصواريخ باليستية متوسطة المدى في اليوم التالي من الهجمات الإسرائيلية، وكانت أشبه باستجابة فورية لضرب الحُديدة. وقد صرّح وقتها زعيم الحركة عبد الملك الحوثي بأن "المرحلة الخامسة من العمليات العسكرية الحوثية في الحرب الحالية ستشمل الانتقال إلى مستوى جديد من العمليات ضد إسرائيل".

وأضاف بأن "الشعب اليمني مسرورٌ بأن يكون في مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي" بحسب قوله.

لغز خيارات استهداف السفن

لم يظهر الحوثيون قوتهم من خلال هجماتهم المستمرة على المواقع الإسرائيلية واستخدام الأسلحة المتطورة فحسب، وإنما أيضاً تميزهم في آلية استهداف السفن الإسرائيلية دون غيرها؛ وهذا يعود بحسب محللو المخاطر وشركات الشحن وشركات التأمين، إلى أن هناك فهماً كبيراً من قبل الحوثيين وحصولهم على المعلومات اللازمة والسريعة قبل أي عملية استهداف من قبلهم للسفن.

يرى هؤلاء بأنّ "من الواضح أن الحوثيين يستخدمون نوعاً من الاستهداف الانتقائي والانتخابي؛ لأن نسبة ضئيلة فقط من السفن التي تستخدم البحر الأحمر وخليج عدن تم استهدافها".

وعلى سبيل المثال، كان لا يزال هناك متوسط (852 سفينة) شهرياً تعبر باب المندب في الفترة من (فبراير/ شباط إلى أغسطس/ آب 2024)، وهو المستوى الذي يستعيد فيه البحر الأحمر عافيته بعد انخفاض أولي من مستويات ما قبل الحرب التي تجاوزتِ الـ (2100 سفينة) شهرياً. وهذا يعني أن نسبة (95.1%) من السفن عبرت البحر الأحمر دون أن تتعرض للهجوم في ذلك الشهر، وهو ما يؤكد الكيفية التي يتمتع بها الحوثيون بعالم كبير للغاية من الأهداف المحتملة للاختيار من بينها، حتى عندما يكون البحر الأحمر أقل ازدحاماً.

لقد كانت مراحل الحرب التي أعلن عنها الزعيم الحوثي، تميل إلى التركيز على تحديد فئات السفن التي يجوز استهدافها بشكل مشروع.

المرحلة الأولى: بتاريخ (14 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 9 ديسمبر/ كانون الأول 2023) شملت السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.

المرحلة الثانية: بتاريخ (9 ديسمبر/ كانون الأول 2023 إلى 12 يناير/ كانون الثاني 2024) اتسعت لتشمل جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.

المرحلة الثالثة: بتاريخ (12 يناير/ كانون الثاني إلى 3 مايو/ أيار 2024) شملت جميع السفن الأمريكية والبريطانية.

المرحلة الرابعة: بتاريخ (3 مايو/ أيار 2024، حتى مطلع سبتمبر/ أيلول 2024) أضافت الحركة استهداف أي سفن مملوكة أو تديرها شركات تخدم سفنها الموانئ الإسرائيلية.

وبذلك تتطلب كل هذه التصنيفات درجة من المعرفة حول ملكية وإدارة وحركة السفن وزيارات الموانئ للشحن التجاري. ويمكن الحصول على هذه البيانات من مواقع الويب مفتوحة المصدر، ولكن العناية والخبرة مطلوبة للتمييز بين المعلومات الحالية والقديمة.

وفقاً لملاحظات خاصة برئيس تحرير (Maritime Spotlight) نعوم رايدان فإن الحوثيين "بدأوا الحرب بمعرفة خطوط الشحن والسفن التي ربطتها إيران سابقًا بأصحابها الإسرائيليين وإدارتها - والتي استهدفتها إيران غالبًا في الخليج الفارسي في الفترة 2019-2023".

إضافة إلى هذه القائمة القصيرة، أضاف الحوثيون بحسب رايدان "بحثاً جديداً حول أصول الشحن المرتبطة بإسرائيل". وبذلك فإن عدد السفن المرتبطة بشكل غير مباشر بإسرائيل أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة يوفر مجموعة واسعة للغاية من خيارات الاستهداف.

وتلوح الآن فرص كبرى أمام الحوثيين و"محور المقاومة"، حيث يمكن القول إن الحوثيين قدموا أفضل أداء عسكري بين جميع لاعبي المحور في الحرب الحالية، كما أن هناك إمكانات قوية أمام الحوثيين للبناء على نجاحاتهم في تضييق الخناق بشدة على أحد أكثر نقاط الاختناق العالمية ازدحامًا، وهو باب المندب.


الدور الإيراني على خط المواجهة

يعتبر الكثير من المراقبين بينهم الباحث مايكل نايتس من مركز دراسات الشرق الأدنى في واشنطن، أن ترقية الحوثيين إلى عضو من الدرجة الأولى في "محور المقاومة" تقدم فرصاً أخرى للكتلة التي تقودها إيران بأكملها. فتحت حكم الحوثيين، أصبح اليمن مكانًا يمكن إيران من أن تشن منه هجمات على إسرائيل، بما في ذلك بالفعل هجمات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على تل أبيب. وقد يُستخدم محور اليمن أيضاً كوسيلة لشن هجمات على أهداف أخرى - مثل القوات الأمريكية - بطريقة قد لا تؤدي إلى الانتقام من أجزاء أكثر حساسية في المحور.

في الوقت الحاضر، استخدم الحوثيون سمعة "الرجل المخيف" للأسلحة الأسرع من الصوت لجذب الانتباه، ولكن في المستقبل، يمكن أن يكون اليمن موقعاً مثالياً لمثل هذه الأسلحة؛ بالنظر إلى موقعه الجغرافي وقدرته المثبتة على إخفاء مواقع الإطلاق في داخله الوعر.

وقد ينظر الحوثيون أيضاً إلى الدعم العسكري الروسي باعتباره فرصة. ففي خطاب مسجل ألقاه مؤخراً في واشنطن العاصمة، كان المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينج صريحاً بشأن مخاطر الشراكة الروسية الحوثية، مشيراً إلى أن "علاقتهم بروسيا مقلقة للغاية" وقال: إنّ "روسيا منزعجة من سياستنا القوية تجاه أوكرانيا، وهم يبحثون عن منافذ أخرى للرد، بما في ذلك في اليمن".

وأضاف "لقد سعوا إلى تسليح الحوثيين، وهو ما من شأنه أن يغير قواعد اللعبة".



التعليقات