من العلاقات المشينة والمريبة هي أن يقترب الرجل من جنسه في افراغ شهواته الجنسية، وهذا لعمري قمة الإسراف في ضياع المياه في غير محلها وايغال في الوضاعة والسفافة والانحطاط الخلقي والنفسي لدى اللائط والملوط على حد سواء، فمن جهة إن الإيقاب بالدبر والمخرج الذي هو محل القاذورات عمل دنيء لا يقترفه إلا النجس المتنجس، ومن جهة أخرى فهو استخدام لعضو من الأعضاء في غير ما وجد له كأن يستخدم الإنسان رجله للأكل أو يده للمشي وهو سالم، كيف أن الناس الأسوياء يعيبون عليه؟! كذلك من يأتي الرجال شهوة دون النساء! وبطبيعة الحال إن هذا العمل المشين تأباه النفس الكريمة وتتحاشاه النفس الطاهرة، وهو اعتراف بالفحش والقذارة حتى من مرتكبي هذه الفاحشة كما في قوله تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُون* وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الأعراف: 80 ـ 84.
وقبل الولوج في توضيح هذه الآفة الفتاكة في المجتمع لابد من معرفة المعنى اللغوي والاصطلاحي للواط، فان كلمة لوط لها معاني كثيرة منها: بمعنى لاط، اي لاط الحوض بالطين لوطا، اي: طيّنه، وقال اللحياني: لاط فلان بالحوض ـ اي طلاه بالطين وملسه به.
فالتاط به، اي التصق به، وفي الحديث: من احب الدنيا التاط منها بثلاث ـ اي التصق بها ـ شغل لا ينقضي، وامل لا يدرك، وحرص لا ينقطع.
وايضا اذا لزق الحب بالقلب يقال: لاط حبه بقلبي، اي لصق حبه بقلبي ـ ويقال: الولد الوط بالقلب ـ اي الصق بالقلب، وكذلك كل شيء لَصقَ بشيء، فقد لاط به يلوط لوطا، ويليط ليطا.
قال الليث: لوط كان نبيا بعثه الله الى قومه فكذبوه واحدثوا ما احدثوا، فاشتق الناس من اسمه فعلا لمن فعَلَ فِعلَ قومه. لسان العرب : ج ١٢ ص ٣٥٧.
ولوط هو ابن هاران بن تارخ ابن اخي ابراهيم عليه السلام، وانما سمي لوط لان حبه لاط بقلب ابراهيم عليه السلام، اي تعلق به ولصق، وكان النبي ابراهيم عليه السلام يحبه حبا شديدا، ولوط خرج من ارض بابل مع عمه ابراهيم، وكان مؤمنا بعمه تابعا له في دينه وهاجر معه الى الشام، أما المعنى الاصطلاحي للواط فهو إتيان الرجل للرجل.
قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ* وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ* قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ* قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ* قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ* فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) هود: 77 ـ 83.
(قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ)... لماذا يقدم نبي الله لوط عليه السلام بناته العفيفات الطيبات المؤمنات للقوم، وهو يعلم أنهم كانوا وما زالوا يعملون السيئات ويأتون في دوائرهم المنكر والبغي والعدوان؟! في معرض الإجابة عن هكذا تساؤل أراد النبي لوط عليه السلام بعرضه هذا ـ الذي ربما يبدو للوهلة الأولى مستهجنا لدى المؤمنين فضلا عن الأنبياء والمرسلين ـ أن يمتثل للأمر الإلهي أولا، وأن يبين لهم أن الحالة المثلى لاشباع الغريزة الجنسية هو الارتباط الشرعي بالجنس المخالف ثانيا، وهذا الارتباط في طبيعة الحال أطهر للنفس وأجلب للتقوى وأظهر للمروءة وأسدد للعمل وأرشد للسلوك، وهو في الوقت نفسه تعريض لما التزموا به من سلوك شائن في اشباع الغريزة الجنسية بطرق شاذة ممقوتة مستهجنة تأباه الفطرة السليمة والسلوك الصائب والعقل الثاقب.
وبعد أن ألقى الحجة والبرهان عليهم تبين أنهم إنما يقدمون على عملهم المشين في اتيان الرجال شهوة دون النساء ـ عن سبق اصرار وعناد، وإنهم وبالرغم من النصح والارشاد بضرورة الاقلاع عن هذه الصفات الذميمة والتحلي بالطهر والتقوى، بيد أنهم بقوا على غيهم واصرارهم على الموبقات العظيمة التي أدمنوا عليها وأضحت تسير في ذواتهم مجرى الدم في العروق، والتعامل مع هكذا حالات لا يجدي ازاءها غير التهديد والوعيد، ولما كانت السنن الالهية قائمة على العباد في كل زمان ومكان، فإنهم وباختيارهم وبإصرارهم على الذنوب الكبيرة قد اختاروا العقاب على الرحاب، والإبادة على السيادة، والنقمة على الرحمة، فكان البيان قبل العقاب طبقا لما هو سائغ في الشريعة المقدسة (قبح العقاب بلا بيان) قد وقع عليهم وعلى غيرهم من الأمم السابقة واللاحقة، فإن العقاب يكون مسوغا ومقبولا عرفا وشرعا وقانونا إذا كان قد سبقه البيان والحجة والبرهان، وما علاج المعاند والمهرج والمتهتك لحرمات الله ومقدسات البشرية الصالحة سوى الإبادة والهلاك في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة؟! كيف لا والمقدم على هذا الفعل المشين انما يقوم بتعطيل الفروج وقطع النسل ونشر الفساد والفوضى في المجتمع، نقل عن الامام الصادق عليه السلام ان رجلا سأله: لم حرم الله اللواط؟ فقال سلام الله عليه: (من اجل انه لو كان اتيان الغلام حلالا لاستغنى الرجال عن النساء وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج وكان في اجازة ذلك فساد كبير) تفسير الامثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ج ٧ ص ٣٠.
إن جريمة اللواط من أكبر الجرائم، وهي من الفواحش المفسدة للخلق وللفطرة وللدين والدنيا، بل وللحياة نفسها، وقد عاقب الله عليها بأقسى عقوبة فخسف الأرض بقوم لوط، وأمطر عليهما حجارة من سجيل جزاء فعلتهم القذرة.
فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين، أن يصلى من العقوبة بما يكون من الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم، وهو انذار للشواذ جنسيا في كل زمان ومكان بأن الله تعالى أنزل باللائط والملوط البالغين المختارين أشد أنواع العذاب لكي يتم تطهيرهما من هذا الدنس القاتل، والعقوبة إما الإلقاء من شاهق أو الحرق او الهدم على مرتكبي هذه الفاحشة الممقوتة، وكلما كان الذنب عظيما كلما كانت العقوبة أشد قسوة وأعظم توبيخا، للمشابهة والمسانخة بين الذنب والعقوبة التي يستحقها، وهي خير وازع للبشرية لكي تقلع عن أمر فيه قطع للنسل وفساد عريض يعم بشرّه وتداعياته البشرية قاطبة وتصاب جراء ذلك بالأمراض والقحط والبلاءات، هي في غنى عنها إذا ما حكمت عقلها وأخذت بالطرق الصائبة في تلبية احتياجات البطن والفرج وبما يساوقها من خير عميم وبركة هائلة ينعم بها أهل التقوى والصلاح والمغفرة.
أما نظرة الغرب إلى اللواط، فقد صدر ـ وبكل وقاحة ـ من بعض الدول الغربية بجواز اللواط والزواج المماثل، وقال بعض اتباع المذاهب المادية: نحن لا نجد مانعا طبيا عن اللواط، ولكنهم مع الاسف نسوا او تناسوا ان كل انحراف جنسي له اثره في روحية الانسان وبنائه ويفقد بسببه كل تعادل وتوازن، وشخصية الانسان الطبيعي والسليم يميل الى ما يخالفه جنسه، اي الرجل يميل الى المرأة، والمرأة تميل الى الرجل، وهذا امر طبيعي والانسان فطر عليه، وهذا الأمر ضامن لبقاء النسل وسعادة المجتمع ونموه وتطوره، اما الانحراف الجنسي ـ اي اللواط ـ سوف يحرف الانسان عن مسيره الطبيعي، وسوف يوجد انواع كثيرة من الامراض النفسية والانحرافات والسقوط.
فالرجل الذي يميل الى نظيره من جنسه ـ ليس رجلا كاملا، والاستمرار على هذا العمل وادامته يجر الانسان تدريجيا الى البرود الجنسي، ويورث هذا العمل ايضا ضعفا مفرطا في الجنس حتى انه لا يستطيع بعد مدة على المعاشرة الطبيعية مع جنسه المخالف ـ المرأة ـ مع العلم ان الاحساسات الجنسية للرجل والمرأة لها تأثير فاعل على روحية كل منهما، وكذلك يمكن ان يؤثر هذا العمل الشنيع الى ضعف جسم الانسان وروحه، ومن الممكن ايضا ان يبتلى الافراد المنحرفون بالضعف الجنسي الذي يؤدي الى عدم القدرة على الانجاب والتوليد.
وعلى هذا سوف يفقدون وبالتدريج القدرة والنشاط على الادارة والعمل في اوساط المجتمع، ويعشعش في روحهم نوع من الاضطراب والقلق، وهذا القلق والاضطراب النفسي سوف يؤدي بهم الى استعمال المواد المخدرة والمشروبات الكحولية، كما يجرهم الى انحرافات اخلاقية اخرى، واذا لم يصمموا على اصلاح انفسهم فورا، ولم يستعينوا بالطبيب النفسي او الطبيب الجسمي، سوف يصبح هذا العمل عندهم امرا طبيعيا وعاديا، عند ذلك يصعب تركه.
القيم الأخلاقية النبيلة اذا ما سادت في مجتمع ما يكون لها بالغ الاثر في تكوين المجتمع الانساني المتماسك ماديا ومعنويا، يطمح أفراده وبشكل متواتر إلى بلوغ القمم السامقة في تكوين الحضارتين الأرضية والسماوية معا، وفي ذلك يرتع الجميع في واحة غناء تحت ظلال المحبة والوئام والتطور والانسجام، أما إذا ما ابتلي مجتمع ما بأخلاقه فأقم عليه مأتما وعويلا، وأخطر ما يبتلى به المجتمع إذا ما احاطت به المنكرات من كل حدب وصوب، ولا منكر أشنع من العلاقات الجنسية الشاذة، فإنها ليست ممقوتة من الشرع المقدس والمجتمعات الايمانية فحسب، بل إنها ممقوتة من المجتمعات الانسانية الفاضلة، لما لها الأثر البالغ في الانحطاط الخلقي والاسفاف والتردي في وحل الخيبة والخسران.
وكيف تتصور مجتمعا سعيدا وفيه مجاميع من الشباب المنحرفين أخلاقيا؟! هل يمكن من خلالهم أن تبني علاقات مجتمعية وطيدة مبنية على التماسك والمحبة والايثار؟! وهل يمكن أن تنهض بالأمة من خلال شباب طائش متوتر نفسيا وأخلاقيا تسوده الأنانية وحب الذات؟! وهل بالإمكان النهوض بالأمة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا من خلال علاقات هي بعيدة كل البعد عن العفة والطهارة والصدق والاخلاص؟! وأخيرا وليس آخرا نقولها وبضرس قاطع أن النهوض الحضاري مرهون بمكارم الأخلاق، والعلاقات الشاذة هي الخنجر المسموم في خاصرة كل منحى يصب باتجاه وضع اللبنات في صرح البناء المتحضر الذي يجلب السعادة لبني البشر، ولا منجى إلا بالسير وفق جادة الأخلاق الكريمة التي تنبذ كل ما هو شائن وعلى رأسه اللواط وجميع العلاقات المريبة الأخرى.