الأربعاء 21 رَجب 1446هـ 22 يناير 2025
موقع كلمة الإخباري
كيف عالج الإسلام آفة الزنا؟!
حسن الهاشمي
2024 / 06 / 11
0

قال تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً﴾ الإسراء: 32. يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل: في هذا التعبير القرآني تمت الإشارة إلى ثلاث نقاط:

ألف - لم تقل الآية: لا تزنوا، بل قالت: لا تقربوا هذا العمل الشائن، وهذا الأسلوب في النهي فضلا عما يحمله من تأكيد، فإنه يوضح أن هناك مقدمات تجر إلى الزنا ينبغي تجنبها وعدم مقاربتها، فخيانة العين تعتبر واحدة من المقدمات، والسفور والتعري مقدمة أخرى، الخلوة بالأجنبية، غلاء المهور، الكتب السيئة والأفلام الملوثة والمجلات الفاسدة ومراكز الفساد كل واحدة منها تعتبر مقدمة لهذا العمل.

ب - إن جملة إنه كان فاحشة بتأكيداتها الثلاثة المستفادة من " إن " والفعل الماضي " كان " وكلمة " فاحشة " تكشف عن فظاعة هذا الذنب.

ج - إن جملة ساء سبيلا توضح حقيقة أن هذا العمل " الزنا " يؤدي إلى مفاسد أخرى في المجتمع.

ويمكن الإشارة إلى خمسة عوامل في فلسفة تحريم الزنا، وهي:

1 - إن العلاقات الاجتماعية القائمة في أساس العلاقات العائلية ستتعرض للانهيار والتصدع إذا شاع وجود الأبناء غير الشرعيين " أبناء الزنا "، وللمرء أن يتصور مصير الأبناء فيما إذا كانوا ثمرة للزنا، ومقدار العناء الذي يتحملونه في حياتهم من لحظة الولادة وحتى الكبر، وعلاوة على ذلك، فإنهم سيحرمون من الحب الأسري الذي يعتبر عاملا في الحد من الجريمة في المجتمع الإسلامي، وحينئذ يتحول المجتمع الإنساني بالزنا إلى مجتمع حيواني تغزوه الجريمة والقساوة من كل جانب.

2 - إن إشاعة الزنا في جماعة ما، ستقود إلى سلسلة واسعة من الانحرافات أساسها التصرفات الفردية والاجتماعية المنحرفة لذوي الشهوات الجامحة، وما ذكر في هذا الصدد من القصص عن الجرائم والانحرافات المنبعثة عن مراكز الفحشاء والزنا في المجتمعات يوضح هذه الحقيقة، وهي أن الانحرافات الجنسية تقترن عادة بأبشع ألوان الجرائم والجنايات.

3 - لقد أثبت العلم ودلت التجارب على أن إشاعة الزنا سبب لكثير من الأمراض والمآسي الصحية وكل المعطيات تشير إلى فشل مكافحة هذه الأمراض من دون مكافحة الزنا أصلا. (يمكن أن تلاحظ موجات مرض الإيدز في المجتمعات المعاصرة، ونتائجها الصحية والنفسية المدمرة).

4 - إن شياع الزنا غالبا ما يؤدي إلى محاولة إسقاط الجنين وقطع النسل، لأن مثل هؤلاء النساء " الزانيات " لا يرضين بتربية الأطفال، وعادة ما يكون الطفل عائقا كبيرا أمام الانطلاق في ممارسة هذه الأعمال المنحرفة، لذلك فهن يحاولن إسقاط الجنين وقطع النسل.

أما النظرية التي تقول، بأن الدولة يمكنها - من خلال مؤسسات خاصة - جمع الأولاد غير الشرعيين وتربيتهم والعناية بهم، فإن التجارب أثبتت فشل هذه المؤسسات في تأدية أهدافها، إذ هناك صعوبات التربية، وهناك النظرة الاجتماعية لهؤلاء، ثم هناك ضغوطات العزلة والوحدة وفقدان محبة الوالدين وعطفهما، كل هذه العوامل تؤدي إلى تحويل هذه الطبقة من الأولاد إلى قساة وجناة وفاقدي الشخصية.

5 - يجب أن لا ننسى أن هدف الزواج ليس إشباع الغريزة الجنسية وحسب، بل المشاركة في تأسيس الحياة على أساس تحقيق الاستقرار الفكري والأنس الروحي للزوجين، وأما تربية الأبناء والتعامل مع قضايا الحياة، فهي آثار طبيعية للزواج، وكل هذه الأمور لا يمكن لها أن تثمر من دون أن تختص المرأة بالرجل وقطع دابر الزنا وأشكال المشاعية الجنسية. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ – ص٤٧٤. 

التفكير بالشيء ومقاربته تارة تكون في البر والاحسان فهي محبذة في الشريعة الاسلامية، وتارة أخرى تكون في الظلم والفجور فهي منهي عنها في الشريعة، فالأذكار والادعية وقراءة القرآن ومتابعة المحتوى الهادف في الشبكة العنكبوتية تهيّأ الانسان للدخول في الدوحة الإلهية المباركة من عبادة وتضرع وقضاء حوائج الناس واعمار البلاد ماديا والقلوب معنويا، أي ان لهذه الأوراد مدخلية في السير والسلوك الحسن للفرد المؤمن، أما الانغماس بالملذات الدنيوية الفانية بل مجرد التفكير بها ومقاربتها تؤدي بك الى المفاسد والمظالم والمهالك، حيث ان المقدمة زائفة فان ذي المقدمة تكون من سنخها، ولولاها لما وقع الانسان في فخ المعاصي والذنوب التي وصفها القرآن الكريم بأشنع الأوصاف، وتعد من أردأ المناهل وأضل الطرق التي تودي بالإنسان الى الانحطاط والسقوط الاخلاقي والمجتمعي وتلك هي الطامة الكبرى، لذلك فان القرآن الكريم يُحذِّر من مجرَّد مُقاربة الزنا، وهي مبالغة في التحرُّز؛ لأن الزنا تَدفع إليه شهوةٌ عنيفة، فالتحرُّز من المُقاربة أضمنُ، وعند القُرب من أسبابه لا يكون هناك ضَمان يعصم الانسان من الوقوع في المعصية.

يقول الدكتور أحمد خضر في هذا الصدد: ومن ثَمَّ يأخذ الإسلام الطريقَ على أسبابه الدافعة توقّيا للوقوع فيه؛ يَكرَه الاختلاط في غير ضرورة، ويُحرِّم الخَلوة التي تفضي إلى الحرام، ويَنهى عن التبرُّج بالزينة، ويحضُّ على الزواج لمن استطاع، ويوصي بالصوم لمن لا يستطيع، ويَكره الحواجز التي تَمنع من الزواج كالمُغالاة في المهور، ويَنفي الخوف من العَيلة والإملاق بسبب الأولاد، ويحضُّ على مساعدة من يبتَغون الزواج؛ ليُحصِّنوا أنفسهم، ويوقِع أشدَّ العقوبة على الجريمة حين تقع، ويوقع العقوبة على رمْي المُحصنات الغافِلات دون بُرهانٍ.. إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج؛ ليَحفَظ المجتمعَ الإسلامي من التردِّي والانحلال. مختارات من كتب التراث الاسلامي، كتاب الزنا، د. أحمد إبراهيم خضر. 

والرّوايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين من أهل بيته عليهم الصلاة والسلام الدالة على أنّ الزنا من جملة الكبائر عديدة منها عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنّه قال: (ما من ذنب بعد الشرك بالله أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في فرج لا يحل له). الكبائر للذهبي، ص 54.

وفي حديث عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (في الزنا ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة. فأما اللاتي في الدنيا، فيذهب بنور الوجه، ويقطع الرزق، ويسرع الفناء. وأما اللواتي في الآخرة، فغضب الرب، وسوء الحساب، والدخول في النار، أو الخلود في النار) تفسير مجمع البيان للطبرسي، ج 6، ص 414.

إن الطريق السليم والصحيح لإشباع الغريزة الجنسية هو النكاح الشرعي، أمّا إشباعها عن طريق الزّنا أو غيره من الاتصالات الجنسية والطرق الأخرى المحرّمة شرعاً فهو سير في وجهة غير صحيحة وسلوك لطريق خطرة جدّاً تكون نهايتها وخيمة، فمن يلقي نظرة على المجتمعات الإباحية التي انتشرت فيها جريمة الزّنا بشكل فظيع وعلني وينظر إلى آثارها الخطيرة من انتشار اللقطاء وضياع الأبناء وتفكك الأسر وفساد التربية، وجرائم قتل الأزواج والزوجات، وتفشي الأمراض الجنسية الخطيرة كالزهري، والسيلان، والسل، والإيدز، يدرك دقّة التعبير القرآني في قوله تعالى: (وَسَاء سَبِيلاً) .

من الجدير بالذكر أن قوة الشهوة الجنسية لا تقل عن قوة الشهوة البطنية إن لم تفقها في بعض الأشخاص، فكما أن الانسان ومنذ نعومة أظفاره بحاجة إلى الغذاء ليحافظ على سلامة جسمه، فكذلك الانسان الذي يبلغ الحلم فإنه بحاجة إلى الجنس لإدامة الحياة وإضفاء رونق السعادة والبهجة والاطمئنان النفسي على كلا الجنسين، والقيودات التي وضعها الشرع المقدس ضرورية للحيلولة دون الوقوع في شباك الزنا والعلاقات الجنسية المحرمة الأخرى، وهدفها ضمان سلامة الفرد والأسرة من التفكك والضياع والفتك والانحراف.

صحيح أن الملتزم بالزواج والمتجاهر بالزنا كلاهما يحصلان على شهوة الجنس وكلاهما يشربان نخب اللذة والمتعة، ولكن شتان ما بينهما! أين الذي يحصنه الزواج من الزيغ والانحراف والأمراض، من الذي يتعدى على أعراض الناس فيكون عرضة لجميع القاذورات الجسدية والروحية؟! وأين هيبة ووقار ومروءة الملتزم بالزواج والعلاقات العفيفة الطاهرة، من تشرذم وسطحية ونزغ المتهتك لأعراض الناس بالزنا والعلاقات الشاذة العاهرة القاهرة؟! وأين طهر الفرج الذي يكون مكبا لماء واحد، من عهر الفرج الذي يكون مكبا لمياه متعددة؟! وأين الزواج وما يضفيه على العبد من استقرار واطمئنان وهدوء، من الزنا الذي لا يزيد مبتغيه إلا فاحشة ورذيلة وضياعا واسفافا ودمارا؟! وأين الذي يضع نطفته في وعاء الطهر والنقاء، من الذي يضع نطفته في وعاء القذارة والمهانة والاذلال؟! وأين الذي يدفع إلى المجتمع ذرية صالحة من نطف نظيفة، من الذي يفرط في نعمة النطف أو يلوث المجتمع بذرية طالحة من نطف قذرة تجلب على المجتمع الويلات والدمار والإحن والأخطار؟! وأخيرا وليس آخرا أين الزواج وما يضخّه من محبة ومودة ورحمة بين الأفراد والأسر، من الزنا وما يشيعه من جشع وفرقة وعداوة وتفكك وضياع؟!



التعليقات